Characteristics of Islamic psychology

‏28 يناير 2024 Concepts
sharing

 

بعد التأكد من الأخطاء الواردة في علم النفس الغربي وأخطاره، تضح لنا الرؤية أن المصدر العلمي الصحيح الموثوق في هذا المضمار هو القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة، واستنباطات العلماء الأجلاء، واجتهاداتهم العظيمة..

ولأن لكل نظرية خصائصها التي تميزها، نسلط الضوء الآن ونلقي نظرة شاملة نشرح فيها خصائص علم النفس الإسلامي كما نتصورها مقارنين بينهما وبين ما يقابلهما في علم النفس الغربي.

 

I. الربانية: أول خاصية من خصائص علم النفس الإسلامي خاصية الربانية. ونقصد بها ربانية المصدر، والعالم، والغاية.

 

أ- ربانية المصدر:

    يستمد علم النفس الإسلامي حقائقه اليقينية، ومرتكزاته المنهجية، ومعاييره ومقاييسه السليمة، التي هي مراجعه في التحليل، والتجريب، والاستبطان، والاستنباط، والتعميم، والتركيب، من المصدر الرباني القرآن والسنة.

 فالقرآن الكريم، كتاب الله تعالى، الذي أنزله لهداية الإنسان، وهو يتضمن علم الله الحكيم، بهذا المخلوق منذ طوره الجنيني إلى أن ينتقل إلى دار البقاء، مرورا بكل أطوار حياته، من: طفولة، وشباب، وكهولة، وشيخوخة، وفي كل أحواله النفسية، واصفا مشاعره وأغواره وصفا علميا ليس وراءه مزيد.

 وفي القرآن، نجد العلم الذي يهدينا إلى بواطن الإنسان وأعماقه، ويدلنا على ما يعتور فطرته من انحرافات، وعلى أساليب تقويم الاعوجاج متى وجد.

قال تعالى:

(ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير).(1)

وقال:

(مالكم لا ترجون لله وقارا وقد خلقكم أطوارا).(2)

وقال:

(وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا).(3)

والسنة النبوية المطهرة تتضمن العلم النبوي الشريف، والهدي النبوي المنيف، وفي كليهما كنوز من التوجيهات السديدة، والقدوة الحميدة للإنسان في كل عصر وحين، وهما بيان للقرآن الكريم، وعمل كامل بالعلم الذي جاء به، فقد كان خلق رسول الله " القرآن، وقد قال عليه السلام: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق». وقال تعالى في حقه:.(4)

فربانية مصدر علم النفس تحمي الباحث فيه من الشطط والزلل وقصور الرؤية، أو اعوجاجها، كما أنها تجعله في اتصال دائم بخالق الإنسان العليم الخبير بسريرته، فيستمد الباحث علمه كمن مقررات الكتاب والسنة ويقينياتها، لا من تخيلات وأوهام وظنون وأهواء، كما هي الحال بالنسبة لمعظم منطلقات التحليل النفسي الغربي، إذ أن هذا الأخير لا يعتمد إلا على العقل، وياليته كان عقلًا مجردًا من الهوى لوصل إذن إلى طبيعة الفطرة، ولكنه في الحقيقة يدرس الإنسان تبعًا لمقتضيات الحس والشهوة والهوى مهما غالى في العقلانية، طالما أنه مقطوع (وإنك لعلى خلق عظيم)عن الوحي الذي به يهتدي ويستنير العقل البشري المسدد.

 

ب- ربانية العالم:

إن المفروض في الطبيب أن يكون معافى من الأدواء التي يعالجها، وهذا يعني أن عالم النفس الإسلامي يمثل الشخصية المسلمة الربانية المتوازنة والمتكاملة، التي تلتزم بكتاب ربها، وسنة نبيها، وترتقي مدارج الكمال، إذ بنورانيتها وطهارتها، تستطيع أن تفهم الإنسان الفهم الصحيح وتعالج أمراضه النفسية العلاج الناجع.

وخير دليل على هذا الذي قلناه أننا نجد مؤسسي علم النفس الإسلامي أنفسهم رجالا ربانيين، نذكر منهم الإمام أبا عبد الله الحارث بن أسد المحاسبي المتوفي سنة 243هـ والعلامة أبا محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم المتوفى سنة 456هـ وحجة الإسلام أبا محمد محمد بن محمد الغزالي المتوفى سنة 505هـ وشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية المتوفى سنة 728هـ وتلميذه العلامة أبا عبد الله محمد ابن أبي بكر بن قيم الجوزية المتوفى سنة 751هـ وغيرهم من كبار علماء الإسلام.

وقد قال تعالى:

(ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون).(5)

فهؤلاء هم أطباء القلوب الذين فقهوا حقيقتها، وما يصلحها وما يفسدها، وأين تكمن أمراضها، وهم الذين بصلاحهم تمكنوا من إصلاح النفوس المريضة.

إذن فربانية عالم النفس المسلم أساس متين لصلاح مهمته، باعتباره باحثا وطبيبا.

وهذا بخلاف ما نجد عليه محللي النفس الغربيين، الذين هم عرضة لأمراض القلب، بسبب ضلالهم عن الحق، وصدهم عن السبيل، حيث يعيشون حياة لا تحكمها إلا فوضى الهواء، وشهوات النفس التي يضعون لها إطارا عقليا يرضونه، وإن حدثوك عن الأخلاق فإنما هو حديث عن أخلاق المنفعة المادية، أو البراغماتية كما يسمونها.

وأما الدين فأغلبهم منكر له، وتهيمن على دراساته النظرة المادية.

على أننا نسجل بارتياح ما تنبه له بعض علماء النفس المحدثين، والذين انتقدوا إغفال علم النفس الحديث للجوانب الروحية في الإنسان، ومن بينهم «إيريك فروم» Erich fromm 

إن العامل الثاني من عوامل سداد علم النفس، هو صلاح نفسية العالم ذاته، وإيمانه بالغيب، وبما أنزل الله من الحق، ولا يكفيه هذا حتى يلتزم بما يؤمن به التزام المسلم الحق.

 

جـ- ربانية الغاية:

 لا يستوي علماء الدنيا وعلماء الآخرة، فالأولون يحصرون اهتماماتهم كلها في حيز أرضي دنيوي محدود، ويصرفون كل همهم إلى تحصيل أكبر قدر من اللذة في الحياة الدنيا، لأنهم لا يحسبون حسابا لما وراءها من ثواب أو عقاب، إما لغفلتهم، وإما لإنكاره للدار الآخرة، ولذلك فهم يتوسلون إلى ما يبتغون من لذة بكل الوسائل، وإن كانت شططا وظلما وعدوانا.

أما علماء الآخرة فهم الربانيون الذين يعتبرون أنفاسهم معدودة عليهم، ولا تعدلها قيمة، لأن أي نفس قد يكون سببا في فوزهم بنعيم الجنة الخالد إذا هم راقبوا الله تعالى فيه، كما قد يكون سببا لدخولهم جهنم إن هم اشتغلوا بمعصية الله.

وهكذا، فالغاية العظمى هي رضوان الله ودخول الجنة، وهذه الغاية تجعل عالم النفس الإسلامي يربط بين عالمي الشهادة والغيب، بين المرئي وغير المرئي، ويعد، من ثمة، النفس الإنسانية لما يصلحها في العقبى (والعاقبة للتقوى).(6) مادام هذا المنطق الرباني هو مرتكز السعادة النفسية في الدنيا والأخرى.

ولا يخفى أن إعداد العالم للنفس البشرية لحسن العاقبة يكون سببا في تفجير طاقتها الكامنة، واستفادة الفرد والجماعة من الطاقة الروحية السوية، والحياة الطبيعية في الدنيا، التي أمرنا الله عز وجل بتعميرها، باعتبارها مزرعة للدار الآخرة.

 

II- التكاملية:

تمنح هذه الخاصية الثانية عالم النفس الإسلامي مقياسًا يقيس به الشخصية السوية التي ينبغي أن تكون متوازنة.     

 فالإنسان يتكون من عقل، وظيفته الطبيعية هي التفكير والتدبر والاعتبار وتحصيل العلوم، ومن روح أو قلب، وظيفته الطبيعية هي التلذذ بعبادة الخالق، ومعرفته عن طريق العبادة التي هي غاية الخضوع مع غاية الإدراك الحسي والحركة الإرادية الصالحة والنافعة مع اللذة المشروعة.

 وكل مكون من هذه المكونات لا يكون صحيحًا وسليمًا إلا إذا أراد به صاحبه مراده الحقيق والأعظم وهو وجه الله ذي الجلال والإكرام، بحيث إن النفس الإنسانية لا لذة لها ولا سرور، ولا فرح ولا نعيم، ولا سكينة ولا طمأنينة، إلا في ابتغاء مرضاة الله تعالى، واتقاء سخطه، وهي مزودة لبلوغ مرادها ذلك بهذه المكونات المتكاملة، التي لا ينبغي أن يطغى أحدها على الآخر:

فلا الروح ينبغي أن تتضخم على حساب الجسم، ولا العقل ينبغي أن يؤله على حساب الروح، ولا الجسم ينبغي أن يعبد على حساب الروح والعقل، وإنما ينبغي إعطاء كل مكون من هذه المكونات حقه من وظيفته الطبيعية، في تكامل بينها وتناغم وانسجام، حتى يستطيع الإنسان أن يحقق العبودية والخلافة، اللتين أمرهما الله عز وجل بهما.

وهذا بخلاف ما نراه لدى الأقوام الضالة حيث يطغى جانب الروح على جانب الجسم، كما هو واقع الرهبانية، أو يطغى جانب الجسم على جانب الروح، كما لدى الماديين، أو يعبد العقل دون الله تعالى، كما هو واقع الرهبانية، كما لدى المغرقين في العقلانية المفصومة عن الوحي، والتي يعتبرونها سر الأسرار، ومنتهى المطالب، ناسين أو جاهلين أن الإنسان لم يؤت من العلم إلا قليلا، كما قال تعالى: (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا).(7) وأن العقل لا يفلح ولا ينجح إلا إذا اهتدى بالوحي، لأنه خلق ناقصا محتاجا ومفتقرا إلى الله تعالى الذي يمده بالوحي ويؤيده بتوفيقه إذا هو اتبعه كما أنه يخذله إذا هو أعرض عنه.

إن الرؤية المتكاملة للنفس الإنسانية هي مفتاح توازنها وسلامتها، وبقدر ما يراعيها العالم في تحليله للشخصية بقدر ما يراعيها العالم في تحليله للشخصية بقدر ما يصل إلى نتائج حقيقية، ويتمكن من وضع الدواء الشافي على المرض الحقيقي.

وهي فوق ذلك رؤية واقعية ليس للخيال فيها نصيب، لأنها تستجيب للوسطية التي يدعو إليها الإسلام، كما قال رسول الله ": «خير الأمور أوساطها»، ولأنها لا تغفل بفضل ذلك جانبا من جوانب وجود الشخصية الإنسانية، كما أنها تمد العالم بالصورة النموذجية التي ينبغي أن تكون عليها الشخصية السوية التي هي شخصية المسلم المتوازن المتكامل، الساعي إلى تحصيل المزيد من الكمال، وبذلك لا يتيه العالم في متاهات الأنماط الوهمية غير السوية وإن حسبها سوية.

 كما تتجلى التكاملية في الموازنة بين الدنيا والآخرة، وإيثار الثانية على الأولى باتخاذ الأولى مزرعة للثانية.

 ومن هذا المنطلق يمكن تفريع علم النفس الإسلامي إلى أصل وفرع:

 

* أصل علم السلوك القلبي:

وهو غاية المهم، وفيه يدرس العالم السلوك الروحي والأخلاقي، الذي بصحته تتحقق السعادة الدنيوية والأخروية.

 

* فرع من علم السلوك الوظيفي:

وهو الذي يدرس وظائف الحس والخبرة والإدراك الحسي، وما اصطلح على دراسته في علم النفس السلوكي.

وهذا الجانب متعلق بحياة الجسم في ارتباطها وانعكاسها وتفاعلها مع النفس، وبملكات الإنسان التي يتكيف بها مع محيطه في حياته الدنيا.

 ولما كان هذا فرعا لذلك الأصل، وجب ملاءمته مع أصوله وقواعده التي سنتعرض لها عندما نحلل أعمال علمائنا رحمهم الله.

 

 III – الوقاية أو حفظ الصحة النفسية: 

 من الأقوال الرائجة أن الوقاية خير من العلاج. وهذا ينطبق على الصحة النفسية التي هي أثمن من صحة البدن، لأن البدن وإن مرض وتألم، فآلامه تنتهي بالموت إذا عز الدواء، بينما القلب إذا مرض وتألم ولم يعالج أعقب ذلك صاحبه آلاما لا تنتهي في الدنيا وفي الآخرة، وقد قال الله تعالى: (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم).(8)

 لذلك، فمن خصائص علم النفس الإسلامي تركيزه قبل كل شيء على حفظ الصحة النفسية، وإيثار ذلك على العلاج متى كانت متوفرة.

 والصحة – كما هو معلوم – تحفظ بمثلها، والمرض يدفع بضده. فالقلب السليم، والنفس السوية المطمئنة ينبغي أن تحفظ سلامتها وطمأنينتها بالأسباب الجالبة للصحة والمزكية لها. وهي العبادات، والطاعات، وترك المعاصي، والمخالفات، وذلك بالاستزادة من فعل الواجبات والمستحبات، وترك المحرمات والمكروهات، حتى تصير النفس معتادة لفعل الخير، وجلب النافع، وترك الشر، ودرء الضار.

هذا هو مرتكز وقاية الصحة النفسية، وكل من يظن أن صحة النفس تحفظ بغير هذا فقط أخطأ، لأن سعادة الإنسان لا تكمن إلا في إقباله على ربه، وتذللـه بين يديه، وخضوعه لأمره ونهيه، إذ أن ذلك هو ما يورثه لذة إلى جانبها، ويكسبه الطمأنينة وراحة النفس التي تذوب معها كل الأكدار والهموم.

ولتحقيق هذه الوقاية – وقاية القلب من وساس الشيطان، وأوامر النفس، الأمارة بالسوء – لابد من اتباع الكتاب والسنة، على المستوى الفردي، وعلى المستوى الجماعي، ومتى كان المجتمع منحرفا عنهما عزت الوقاية، وكثرت احتمالات الإصابة، ولا سبيل في مثل هذه الحالة إلى تحصين النفس إلا بالإستعانة بالخلوة والعزلة المرحلية، التي يستعيد فيها الإنسان تحكمه في نفسه، بحيث يصبح قادرا على التأثير في المجتمع بدلا من التأثر بانحرافاته.

إن الوقاية خير من العلاج حقا، ولكن إذا مرضت النفس لسبب من الأسباب عند ذلك يصبح ضروريا ولازما، كما هو الأمر بالنسبة لبدن.

هذه باختصار ثلاث خصائص أساسية لعلم النفس الإسلامي.

والله ولي التوفيق.